سورة الملك - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الملك)


        


{إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)}
الصفة الأولى: قوله تعالى: {إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا}.
{أَلْقَوْاْ} طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به فيها، ومثله قوله: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] وفي قوله: {سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا} وجوه:
أحدها: قال مقاتل: سمعوا لجهنم شهيقاً، ولعل المراد تشبيه صوت لهب النار بالشهيق، قال الزجاج: سمع الكفار للنار شهيقاً، وهو أقبح الأصوات، وهو كصوت الحمار، وقال المبرد: هو والله أعلم تنفس كتنفس المتغيظ.
وثانيها: قال عطاء: سمعوا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها شهيقاً.
وثالثها: سمعوا من أنفسهم شهيقاً، كقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] والقول هو الأول.
الصفة الثانية: قوله: {وَهِىَ تَفُورُ} قال الليث: كل شيء جاش فقد فار، وهو فور القدر والدخان والغضب والماء من العين، قال ابن عباس: تغلي بهم كغلي المرجل، وقال مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل، ويجوز أن يكون هذا من فور الغضب، قال المبرد: يقال تركت فلاناً يفور غضباً، ويتأكد هذا القول بالآية الآتية.


{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)}
الصفة الثالثة: قوله: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} يقال: فلان يتميز غيظاً، ويتعصف غيظاً وغضب فطارت منه (شعلة في الأرض وشعلة) في السماء إذا وصفوه بالإفراط فيه.
وأقول لعل السبب في هذا المجاز أن الغضب حالة تحصل عند غليان دم القلب والدم عند الغليان يصير أعظم حجماً ومقداراً فتتمدد تلك الأوعية عند ازدياد مقادير الرطوبات في البدن، فكلما كان الغضب أشد كان الغليان أشد، فكان الازدياد أكثر، وكان تمدد الأوعية وانشقاقها وتميزها أكثر، فجعل ذكر هذه الملازمة كناية عن شدة الغضب، فإن قيل: النار ليست من الأحياء، فكيف يمكن وصفها بالغيظ قلنا الجواب من وجوه:
أحدها: أن البنية عندنا ليست شرطاً للحياة فلعل الله يخلق فيها وهي نار حياة.
وثانيها: أنه شبه صوت لهبها وسرعة تبادرها بصوت الغضبان وحركته.
وثالثها: يجوز أن يكون المراد غيظ الزبانية.
الصفة الرابعة: قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}.
الفوج الجماعة من الناس والأفواج الجماعات في تعرفه، ومنه قوله: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ: 18] و{خَزَنَتُهَا} مالك وأعوانه من الزبانية {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} وهو سؤال توبيخ، قال الزجاج: وهذا التوبيخ زيادة لهم في العذاب، وفي الآية مسألتان:
المسألة الأولى: احتجت المرجئة على أنه لا يدخل النار أحد إلا الكفار بهذه الآية، قالوا: لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم قالوا: كذبنا النذير، وهذا يقتضي أن من لم يكذب الله ورسوله لا يدخل النار، واعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصر لا يدخل النار، وأجاب القاضي عنه بأن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة المحذرة المخوفة، ولا أحد يدخل النار إلا وهو مخالف للدليل غير متمسك بموجبه.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن معرفة الله وشكره لا يجبان إلا بعد ورود السمع بهذه الآية وقالوا: هذه الآية دلت على أنه تعالى إنما عذبهم لأنه أتاهم النذير، وهذا يدل على أنه لو لم يأتهم النذير لما عذبهم.
ثم إنه تعالى حكى عن الكفار جوابهم عن ذلك السؤال من وجهين:


{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)}
الأول: قوله تعالى: {قَالُواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيء}.
واعلم أن قوله: {بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأن الله أزاح عللهم ببعثة الرسل، ولكنهم كذبوا الرسل وقالوا: {مَا نَزَّلَ الله مِن شَيء}.
أما قوله تعالى: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضلال كَبِيرٍ} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية وجهان الوجه الأول: وهو الأظهر أنه من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين الوجه الثاني: يجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار، والتقدير أن الكفار لما قالوا ذلك الكلام قالت الخزنة لهم: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضلال كَبِيرٍ}.
المسألة الثانية: يحتمل أن يكون المراد من الضلال الكبير ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا، ويحتمل أن يكون المراد بالضلال الهلاك، ويحتمل أن يكون سمي عقاب الضلال باسمه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8